عصفت الريح بكثير من الأوراق فتطايرت وتناثرت في كل مكان ولم تفلح الأيادي الكثيرة الممتدة إلى هذه الأوراق من لملمتها بعد أن شتتتها الرياح. هكذا قد يوصف مشهد انحسار الورق وانحسار قراءته وطباعته وتأليفه وتوزيعه ونشره والصناعة القائمة عليه منذ عهد الطباعة حتى يومنا هذا.
قبل فترة وجيزة دخلت مكتبة لبيع الكتب فدهشت من ضخامتها واتساعها واحتوائها على آلاف الكتب الورقية المكتوبة بمختلف لغات العالم وامتلاء أرفف تلك المكتبة بالكتب والمجلات والصحف في كل فنون وأنواع الكتابات العلمية والأدبية والقصصية والروائية والتاريخية وغيرها من الأقسام التي تهم القارئ ابتداء من الطفل وحتى كبير السن. لبرهة وقفت مدهوشا من مجموع الكتب التي تضمها تلك المكتبة العملاقة فتساءلت في نفسي هل لا تزال صناعة الكتاب الورقي رائجة؟ وهل لا تزال العناوين الجديدة للكتب تجد طريقها إلى النشر وهل لا يزال الناشرون يعملون بذات الربحية أولا وبذات الجدوى ثانيا وبذات الإيمان بأهمية النشر والقراءة ثالثا؟ ولكنني ما إن التفت جانبا حتى جاءني الجواب من أن رواد المكتبة الضخمة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة وبدت المساحات الكبيرة خالية إلا من أرفف الكتب من دون قراء فالتمست لموضوع الطلب الإلكتروني للكتب والمطبوعات والتوصيل للمنازل العذر من أن الكثير لا يملك وقتا للتواجد بين أروقة مكتبة تضم كتبا كثيرة.
أرقام القراءة للكتب المطبوعة تتفاوت بين الدول والمجتمعات ولكن أغلب هذه الأرقام تشير إلى تراجع حاد في نسب الطباعة والقراءة لأسباب عدة منها ارتفاع أسعار الطباعة والورق والشحن مع طغيان وانتشار أكثر للوسائل الإلكترونية التي أصبحت صديقة للقراء والقراءة فضلا عن كثرة البرامج ووسائل التواصل الحديثة من مشتتات الوقت التي أخذت نصيب الفرد من القراءة ويرجع البعض الأوبئة والأسقام التي عصفت بالبشرية في العامين السابقين بتسببها في توسيع فجوة المعرفة بين الكتاب والقراءة مع انحسار في أعداد قراء الكتب لا سيما المطبوعة منها، ورغم كل ما تم ذكره من مسببات في انحسار القراءة الورقية إلا أن بعض الأرقام تشير إلى عودة تدريجية للطباعة والنشر في كثير من دول العالم المختلفة ربما تعزى إلى الصعوبة التي يواجهها المخلصون للقراءة في قراءة الكتب الإلكترونية لارتباطهم الوثيق بالحبر والورق والشعور بالدفء والحميمية بين دفتي الكتاب الملموس لتقليب ورقاته وصفحاته.
خضت تجربة شخصية في القراءة الإلكترونية وتحديدا من لوح أمازون الإلكتروني «كندل» بعد نصيحة من صديق مجرب، فوجدتها عذبة شيقة مختلفة عن باقي القراءات الإلكترونية من حيث سهولة التحميل والتصفح والقراءة وكثرة عدد الكتب المتوافرة للتحميل وانخفاض كلفة الشراء وسهولة الحمل ومناسبة الجهاز لكل وقت ومكان وغيرها من العوامل التي دعتني إلى تنحية الكتاب الورقي جانبا والالتفات أكثر إلى القراءة الإلكترونية من الألواح المضيئة التي يجتمع فيها الصوت مع الحرف.
محور الحديث هنا في هذه الزاوية هو محور المعاناة التي يصادفها الكاتب والكتاب وقد تكون هذه المعاناة في كل دول العالم باعتبار أن مشكلة القراءة والنشر هي معضلة دولية تشترك فيها دول العالم غنية وفقيرة للأسباب التي سبق الحديث عنها، ولو حاولنا تقريب الصورة أكثر للحديث عن وضع النشر بشقيه الورقي والإلكتروني هنا في سلطنة عمان لوجدنا أن كثيرا من الكتاب يعانون من إيجاد ناشرين محليين يهتمون بالنشر إلا من فئة قليلة تحترف النشر غير المهني مما يدفع الكثير من الكتاب إلى البحث عن ناشرين من خارج الحدود لسهولة ورخص الطباعة والنشر وتوافر المطابع والناشرين ومراكز التوزيع والمكتبات وكثرة أعداد القراء والدعم المقدم للكاتب سواء من الناشر أو من بعض الجهات التي تتبنى طباعة ونشر الكتب إيمانا منها بسمو الثقافة ورفعة شأنها وإعلاء من شأن الكتاب والأدباء في بلدانهم.
كما أسلفت نعاني هنا من أزمة في الكتاب وأزمة في الكتّاب والمؤلفين قد تكون بحاجة إلى تسليط الضوء عليها من قبل المشتغلين بالنشر والثقافة وتنسحب هذه الأزمة على الكتاب الإلكتروني من حيث عدم وجود جهة معنية بمشاركة الكتاب الإلكتروني العماني في أرفف التطبيقات وبرامج الكتب العالمية والدفع قدما بالكاتب والكتاب العماني من المحلية إلى العالمية فربما مع وجود هذه الجهة قد تصل أمهات الكتب العمانية وتنتشر في الفضاء العالمي ليتعرف العالم على تراث وثقافة هذا البلد العريق المحمل بالآداب والثقافة والفنون.