شيخ المترجمين أو شفيع المترجمين كما جاء في وصفالأمم المتحدة للقديس جيروم المتوفى في الثلاثين من سبتمبر من العام 420 ميلادية بالقرب من بيت لحم في فلسطين، وبهذا التاريخ تحتفي الأمم المتحدة بهذا اليوم بوصفه اليوم العالمي للترجمة بإطلاق مسابقة لأفضلالترجمات باللغات العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية والألمانية، ويحتفل المترجمون بهذا اليوم في ابراز دورهم الثقافي والمعرفي المتمثل في نقل العلوم والمعارف والثقافات والآداب من اللغات المتعددة.
لم اكتب هذا الاستهلال للاحتفاء بالترجمة او المترجمين فدورهم معروف ومشهود على مر التاريخ البشري وانما دفعني للكتابة ما قرأته عن بدايات تغلب الذكاء الاصطناعي على المترجم البشري ومحاولة سحب البساط من الترجمة البشرية الادمية الى ترجمة الالة الاصطناعية التي تمتاز بكثير من المميزات كما ذكرت في التقرير الانف الذكر منها الكلفة والسهولة والتوافر وغيرها من العوامل المتعلقة بالالة أكثر منها ما هو متعلق بالإنسان والابداع.
جدلية الانسان والالة ليست بالجديدة ولا بالحديثة فهي أزلية ومستمرة وستستمر الى الابد لكنها تختلف في الشكل واللون باختلاف العصور والازمنة والامكنة، وفي حالتنا هذه فجدلية المترجم البشري والمترجم الالي هي جدلية ربما يحسمها صراع طويل تختلف عوامله واسبابه ومسبباته وقبوله ورفضه وغيرها من العوامل التي قد ترجح كفة البشري على الالي أو العكس وقد يكون من المبكر التنبؤ بمن ترجح كفته، الا أن بعض المؤشرات تشير الى أن طريق الالة في صعود وطريق البشري في نزول.
الأرقام تقول ان الطلب العالمي على برامج وآلات الترجمة الفورية ارتفع من 500 مليون دولار في العام 2016 الى مليار دولار في هذا العام 2021 وهو ما يعتبر مؤشرا كبيرا على مدى التقدم والتطور الذي تشهده برامج الترجمة الفورية على جميع الأصعدة ويعتبر هذا الرقم مرشحا للارتفاع نظير الاستثمارات الكبيرة التي تضخها كبريات الشركات في برامج الذكاء الاصطناعي لا سيما المتعلقة منها بالترجمة وفهم اللغات العالمية التي يصل عددها الى 300 لغة عالمية يتعامل معها كل البشر في كل يوم.
هذا ما تقوله لغة الأرقام والإحصاءات التي تتحدث عن ارتفاع في الاعتماد على الترجمات المختلفة من برامج وتطبيقات الترجمة الفورية المجانية وما شابهها، غير أن العقل البشري لا يزال غير مستوعب لإمكانية أن تحل آلة صماء محل العقل البشري في القيام بترجمات تتفاعل فيها المشاعر والأحاسيس وتختلط فيها العواطف والانفعالات. قرأت بعضا من ردود الفعل البشرية على السؤال المطروح هل يمكن للآلة أن تحل محل الانسان في الترجمة؟ فكانت الإجابة كلها وبلا استثناء أنه لا يمكن مطلقا لا الان ولا في المستقبل أن تستطيع الالة فهم عواطف الانسان في التعبير عما يريد أن يوصله للآخر عن طريق اللغة، غير أنه وللإنصاف فقد أشار البعض الى أن برامج الترجمة الالكترونية قد ساعدت في تقليل الجهد والكلفة والوقت لكنها لا يمكن أن تكتمل من دون تدخل بشري انساني يقوم على تعديل وتقويم وتصليح كثير من المفاهيم والمصطلحات التي لا تفهمها الالة حتى اليوم.
علم اللسانيات الحاسوبية من العلوم المتحورة او المتطورة او المندمجة من علوم اللسانيات في اللغة وعلم الحوسبة وهذا العلم الجديد يحاول أن يوافق ويلائم بين اللغة والحاسب الالي فيما يتعلق بالترجمة خصوصا وفيه يحاول هؤلاء العلماء جعل الترجمة أكثر سهولة وأقرب الى الانسان منه الى الالة بل ويعد هؤلاء بانهم سوف يتوصلون الى ما يمكن ان يطلق عليه تسمية ” الترجمة الالية كليا ذات النوعية البشرية” أي ان الترجمة سوف تحقق المواصفات البشرية في الترجمة لكن بواسطة الالة أي أن كيماء غريبة من نوع مختلف سوف تنشأ بين البشر والالة تستطيع أن تقرأ المشاعر والأحاسيس الإنسانية لتخرجها في صورة نصوص مكتوبة او منطوقة.
شخصيا، لا أملك إجابة حقيقية على هذه الجدلية لكن ما أستطيع ان المسه حتى هذه اللحظة من أن العنصر البشري لا يزال هو الفيصل الحقيقي في موضوع الترجمة خصوصا في الترجمات الأدبية والثقافية التي تتطلب جهدا عظيما في فهم ما يعنيه كاتبها، أما النصوص الأخرى التي تخلو من العواطف والمشاعر فيمكن للآلةاختزالها وترجمتها بسهولة، وأيضا لا يمكنني التكهن بما يخبئه المستقبل من مفاجآت ربما تقلب المعادلة رأسا على عقب فتصير الالة هي الأصل والانسان مجرد محرك لها.