لم أحسب أن ما كنت اقرأه في كتب التاريخ قديمهوحديثه من حروب وأحداث ساهمت في إعادة تشكيل العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وفكريا وحضاريا، بأنني وفي يوم من الأيام سأكون شاهدا عليها ومراقبا لها ومعاصر لكل مجرياتها وهي تمر أمام عيني وتحت سمعي وبصري. ولم أكن أعتقد أيضا بأنني في يوم من الأيام سأكون درسا من دروس التاريخ يشير اليها من يأتي من بعدي من الدارسين للتاريخ بأنها كانت حقبة مليئة بالاحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية وأفضت في نهايتها الى إعادة تشكيل خارطة العالم بظهور أمم ودول وممالك كانت ضعيفة وانحسار ممالك كانت تحكم العالم، باختراعات واكتشافات ساهمت في رخاء وتنمية العالم من جهة وساهمت في خرابه ودماره من جهة أخرى.
من المفيد ومن غير المفيد في ذات الوقت أن تكون شاهدا على عصر حدثت فيه تحولات كبرى في العالمكأن تشاهد بأم عينك ساعة بساعة حروبا تشن بين الدول للتنافس على أطماع وأوهام يلتهم فيها الكبير الصغير ويأكله لقمة سائغة بمبررات واهية في كثير من الأحيان من دون أن يحرك أحدا ساكنا وكأن الحرب وخيارها بات قدرا مكتوبا على البشرية أن تعيشه منذ أن خلق الله الأرض وحتى يبعثها من جديد، وأنا كشاهد على عصر هذه الحروب أسرد وأحكي هذه اليوميات على من يأتي من بعدي من بشر أحدثهم عن مآس الانسان، وطمعه، وجبروته، وسلطانه.
من الجيد أن تكون شاهد عيان على تحولات اقتصادية كبرى حدثت في عصر اعتبره أهله ذهبيا في الطفرة الاقتصادية والصناعية التي حدثت فيه.عصر تسارعت فيه الاختراعات والاكتشافات وتحولت فيه كثير من دول العالم الى التمدن والحضارة بفضل الاقتصاد والصناعة الحديثة والتي بات فيها كل شيء في متناول اليد بعد أن كان عسيرا على المرء الحصول على أبسط الخدمات إلا بعد جهد ومشقة.
من يومياتي الحديثة التي شهدتها ودونتها عن هذا العصر هي يوميات المرض والوباء والموت الأسود الذي فتك بأرواح الناس في كل بقاع العالم بعد كان العالم يحسب أنه على مرمى حجر من السيطرة على كل أوبئة وامراض واسقام العالم فجاء فيروس صغير ليعيد تشكيل المعادلة من جديد وليذكر الناس بالتاريخ وأن ما حدث للأمم البائدة يمكن أن يحدث من جديد وأن لا مفر من ذلك حتى بأعتى قوى الأرض. كنت شاهدا على أقصى لحظات ضعف الانسان وجبنه وتسليمه أمر انقياده لخالقه وعلى تقوقعه على ذاته وانفصاله عن عالمه وكأن الدنيا عادت بالوراء الى أزمان العصور الساحقة.
الخمسين عاما المنصرمة من عمر العالم حسبما شهدتها كانت مختلفة عن كل ما شهده العالم في تاريخه من تطورات تقنية متسارعة بداياتها كانت باختراع الحاسب الالي البسيط ونهايتها لا يعلمها الا الله ربما تفضي هذه النهايات الى حروب وغزوات الكترونية تتحكم فيها التقنية بمصائر الأمم والشعوبوالافراد وتصبح الحياة فيها افتراضية أكثر منها واقعية. لكن التحولات الكبرى في منظومة التقنية هي أكثر ما يسم هذا العصر ويميزه عن غيره من العصور الغابرة التي سبقته ولهذا أطلق عليه اهله بأنه عصر التقنية والالة وعصر الاتصال وعصر الميكنة.
من يومياتي التي كنت أحكيها لمن هم أصغر مني سنا بأنني ولدت ضمن جيل ذهبي محظوظ شهد على تحولات كبرى حدثت في العالم وعلى الأخص حدث كثير منها في هذه البقعة التي نتواجد فيها حيث كنت شاهد عيان على كل مراحل التقدم والتطور التي حدثت في سلطنة عمان وكنت مراقبا ومتابعا لها ساعة بساعة. شهدت على الحياة البسيطة التي كانت تخلو من ابسط مقومات المدنية والحضارة كوجود السيارات والطرق المعبدة المرصوفة والكهرباء والهاتف وغيرها من ابجديات الحضارة والتمدن وكنت شاهد عيان على وصول كل هذه الخدمات وغيرها الكثير وكأنني اشاهد فيلما تحدث فيه معجزات تنموية تنقل بلدا من الظلام الى النور ومن التخلف الى الحضارة
أنا اليوم بمثابة الحكاء الشاهد على عصر يروي فيه قصص التحولات الكبرى التي شهدها العالم في الخمسين سنة الفائتة بكل افراحها واتراحها حلوها ومرها عذبها وزلالها وكأنني أعيش لاسرد قصة الحضارة كما سردها هيردودت وابن خلدون وديفيد هيوم وغيرهم من عظماء المؤرخين.