Read Time:2 Minute, 32 Second
هذا الطرح ليس بالجديد في تبيان وشرح العلاقة بين الحرية ونقيضها ولا أقصد هنا المعنى الضيق لمعنى الحرية بتمثلها في الصحافة أو حرية التعبير أو حرية الكتابة ونقيض ذلك مما يسمى بمقص الرقيب أو بتحقيق الرقيب حتى وان كنا قد احتفلنا قبل أسبوع بيوم الصحافة وحريتها الذي مر من دون أن يكترث له أحد، وأيضا لا أنظر إلى الصورة الأكبر منها في حرية الإنسان واسترقاقه كما كان يحصل في الماضي ولا يزال في كثير من المجتمعات المتحضرة منها والمتخلفة، كما أنني أيضا لا أعني أو أشير بذلك إلى العلاقة بين الإنسان وخالقه ومدى مراقبته لربه في حياته وسؤاله بعد مماته، لكنني هنا أثير تساؤلا أكبر قليلا عن ما تعنيه الحرية للإنسان ومتى يشعر هذا الإنسان بأنه حر؟ ومتى يشعر بأنه غير ذلك؟ وما هي حدود هذه الحرية؟ ومتى تبدأ؟ وأين تنتهي؟
لن ألجأ إلى اقتباسات الشعراء والكتاب والأدباء والصحفيين ولا حتى المستضعفين عما قالوه عن الحرية ومعناها، ليس لسبب أنني لا أؤمن بالحرية أو لا أتبناها كمبدأ وخيار للبشرية جمعاء لكنني اعتقد بأننا أسأنا فهم هذا المبدأ الأصيل الذي هو أول مبادئ الحرية الإنسانية التي نص عليها قانون حقوق الإنسان وحملناها ما لا تحتمل وما لا تطيق من حمولة بسبب توهمنا بأن هذا المبدأ يتيح لنا فعل أي شيء أو قول أي شيء أو صنع أي شيء بداعي الحرية المطلقة التي ادعيناها لأنفسنا من تلقاء أنفسنا.
الحياة بدون حرية (الحياة المقيدة) هي أكثر وأكبر من الحياة بالحرية المطلقة. الإنسان في أغلب لحظات حياته يحيا حياة مقيدة خاضعة لقوانين ونظم وأعراف وقيم وتقاليد سواء أكانت من صنع البشر ذاتهم أو هي قوانين وتشريعات إلهية نزلت من السماء لتحد من حرية الإنسان في التمتع بكثير من متع الحياة ومباهجها وهو ما يصطدم وينصدم بصخرة الحريات التي ينادي بها الإنسان. ولعلي لا أغالي في الأمر إن قلت إن الأصل في هذا هو التقييد قبل أن تكون الحرية المطلقة، فالإنسان عند مولده لم يكن له خيار الحرية في اختيار والديه ولا يستطيع العيش بمفرده في هذا الكون بل يحتاج إلى من يقاسمه الحياة وهذا ما يتطلب التضحية بنصف حريته على الأفل كي يستطيع أن يعيش بأمن وأمان واطمئنان.
هل تأتي الحرية أولاً أم يتقدمها نقيضها؟ وهل نعيش في وهم كبير اسمه الحرية؟ مشاهد الحياة اليومية كفيلة بتأكيد أن ليس لنا الحرية الكافية في فعل ما نريد أو ترك ما نريد فكل شيء مقيد بقيود كبيرة فحريتنا في قيادة السيارة في أي اتجاه نرغبه مسلوبة وهي خاضعة لسلطة الشرطة وقانونها وحرية الغدوة والرواح في العمل محدودة بقوانين وتشريعات وعلاقتنا بأهلنا وأولادنا ومن نحب محددة بأمزجة وأهواء وطقوس تحد من حريتنا، حتى الملبس والمأكل والمشرب حريتنا فيه محددة بسمات المجتمع وقيمه وتقاليده، والحرية في التعبير والكتابة والنشر محددة ومؤطرة بقوانين ونظم بشرية من الصعب الانفلات منها.
هناك خلط بين الحرية والعيش في وهمها لدى الناس، ولعل العصر الحديث بوسائله الحديثة في التواصل والتراسل عمقت من هذا الوهم فأصبح الكثير يتوهم أن حريته تبيح له استعمار واسترقاق واستعباد الآخرين، وأن حريته تبيح له قول وفعل ما يشاء دون مراعاة للآخرين ومشاعرهم، وأن له الحرية المطلقة والمباحة في الكتابة والتعبير والسب والقذف والتشهير ونشر الشائعات والدسائس والكذب والتدليس طالما أنه تخفى بغطاء الوهم وتلحف بلحاف الوسائل التي أوهمته بأن حريته مطلقة وهي غير ذلك.