في السابع والعشرين من هذا الشهر ستصمت دقات ساعة بج بن الصادحة من برج لندن الشهير وستتوقف دقات الساعة الاشهر على مستوى العالم عن البث الاذاعي باللغة العربية عبر المذياع بعد مسيرة طويلة امتدت الى اربع وثمانين عاما من البث المتواصل لم تفلح أيا من الاحداث السياسية والاقتصادية ولا الانواء المناخية من اسكاتها منذ انطلاقها في يناير من العام 1938 .
عوامل كثيرة تكالبت على هيئة الاذاعة البريطانية ودعتها الى اتخاذ هذا القرار المصيري والمؤلم كما وصفه الكثيرون خصوصا العاملون في هذه الهيئة العريقة والمتابعين لها بشغف شديد، لعل أهمها الازمة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد البريطاني والتي أثرت بلا شك على كثير من القطاعات العامة التي تمولها الحكومة ومنها البي بي سي، والعامل الآخر هو العامل التقني والانتقال الى المنصات الحديثة في العوالم الافتراضية ومواكبة رغبات المستمعين والمشاهدين لا سيما فئات الشباب التي تفضل الاستماع والمشاهدة والتفاعل مع الاحداث عبر منصات متعددة تمزج بين الانواع المختلفة من وسائل الاعلام والاتصال.
ربما تكون البي سي سي قد استشعرت وتنبأت مسبقا بمستقبل وسائل الاعلام التقليدية التي عصفت بها رياح التغيير التي ابتدأت بهزات متتالية للصحف والورق واسفرت هذه الهزات عن اغلاق للبعض وتراجع في مستويات البعض منها على صعيد المضمون والمحتوى وعلى الصعيد الفني ايضا، وقد تمتد تأثيرات هذه العاصفة الى الاذاعات اولا ومن ثم تليها التلفزيونات العامة والمتخصصة، ويتبعها لاحقا المواقع الاخبارية الالكترونية التي يتنبأ أكثر المتفائلين بأنها ستدار بواسطة الذكاء الاصطناعي من حيث كتابة واعداد وتنسيق المواد الاخبارية وكأن محررا بشريا قد قام بكتابتها وتحريرها.
نجم البي بي سي البريطانية بدأ في الافول رويدا رويدا وربما يشبه البعض حالة التراجع لهذه الهيئة العريقة بحالة التراجع التي تشهدها الامبراطورية البريطانية العظمى التي كانت في يوم من الايام الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وقد كانت البي بي سي أحد أذرع هذه الامبراطورية ووسيلة من وسائل التأثير والتخاطب بين مستعمراتها المترامية الاطراف في الشرق والغرب، وايضا هي حالة من حالات الركود الاقتصادي الكبير الذي يمر به العالم وقد يستمر حتى نهاية هذا العام او يطول امده قليلا وبدأت فيه كثير من الدول في تخفيض ميزانياتها وانفاقها والتخلص من بعض الاعباء المالية التي يمكن الاستغناء عنها منها الدعم الحكومي الموجه لكثير من القطاعات خصوصا القطاعات التي يمكن للقطاع الخاص الاستثمار فيها وادارة مخاطره بنفسه.
ناقوس دقته البي بي سي سيتبعه بلا شك نواقيس اخرى تدق في بلدان بعيدة ومجاورة وسنشهد خلال المرحلة القادمة بعض الاغلاقات المتتالية لقنوات اعلامية عريقة وحديثة بدواعي الازمات الاقتصادية والتوفير ورفع الدعم ونقص الاعلانات ومنافسة منصات ووسائل التواصل الحديثة في استقطاب المستخدمين والمشتركين ودخول الروبوتات والذكاء الاصطناعي في هذه الصناعة والعديد من المخاطر المحدقة بهذه الصناعة، وسيكون حتما ولزاما على القائمين على هذه الوسائل تكييف أنفسهم ووسائلهم بحسب ما تفرضه افرازات الحياة الجديدة من تقلبات قد تبقي أو تعصف بهذه الوسائل.