قد لا يكون فوز الفيلم الوثائقي العماني ” مسافات طويلة” بجائزة النخلة الذهبية للفيلم الوثائقي الخليجي في مهرجان أفلام السعودية شيئا مستغربا بل كان أمرا متوقعاكما قالت عنه بطلته العداءة العمانية سعاد النصيبية، لان الفيلم استطاع تحقيق هدف ورسالة اراد القائمون عليه ايصالها للجمهور وهي ابراز مكنونات الحياة العمانية بكل تفاصيل انسانها ومكانها وتكامل هذين العنصرين مع مفردات الحياة العمانية التي لم يكتب للبعض رؤيتها عن قرب.
” مسافات طويلة” عمل تم الاشتغال عليه بمنهجية وثائقية احترافية وإن كان يشبه الى حد كبير طبيعة الافلام الوثائقية التي اعتدنا على مشاهدتها من خلال الانتاجات الوثائقية لتلفزيون سلطنة عمان، غير أن الثيمة الحقيقية التي يتفرد بها هذا الفيلم عن الافلام الاخرى هي تفاصيل حياة زوجين كلاهما منغمس ومنغرس بين جبال ووديان القرى الساكنة بين سفوح وادي السحتن وسعيهما الدؤوب للوصول الى العالمية من خلال بيئتهم المحلية التي يعرفانها ومن خلال ما عايشاه من حياة ساهمت في صقل شخصيتهما مثل سعاد التي تحكي قصتها في الفيلم بأنها هي في الاصل راعية للغنم واصبحت للسباقات الجبلية الطويلة محليا ودوليا.
الفيلم يطوف بالمشاهد من خلال الشخصيتين الرئيسيتين سامي السعيدي العداء الذي احرز المراكز الاولى في سباقات الجري الجبلي في عدد من المسابقات وزوجته سعاد التي تقتفي أثر زوجها في البحث عن تتويج لها في المنصات العالمية، كما وأنه يبرز مكنونات الحياة العمانية ومفرداتها المتمثلة في القرية والجبل والسهل والوادي والحياة الطبيعية والفطرية وحياة الانسان العماني البسيط في بيئته الوادعة الساكنة، وهنا برز دور المخرجين علي البيماني وحمد القصابي في اظهار الصورة الجمالية للفيلم باسلوب حديث استطاعا فيه أسر المشاهد المحلي والدولي بمفردات بيئية عمانية خالصة كما اشار لذلك حمد البيماني في لقاء له بالقول أن ممن شاهد الفيلم بات مأخوذا بقصته اولا وبتفاصيل البيئة الجبلية في الداخل العماني.
لست بصدد كتابة مراجعة عن الفيلم فهو متاح في منصة عين التابعة لوزارة الاعلام ويمكن تحميله والاستمتاع به، لكنني هنا بصدد الاشارة الى الرسائل التي يقوم الفيلم الوثائقي بايصالها الى المشاهد فهو من اسمه يعنى بتوثيق الواقع كما هو عليه وينقل صورة لحياة الانسان والبيئة المحيطة به من حوله، فهو يختلف عن باقي أصناف الافلام والانتاجات التلفزيونية او السينمائية كونه يعنى بتجميد وتوثيق اللحظة وأرشفتها وله أنواع عدة تتمازج بين العلمي والطبيعي والتاريخي والثقافي وغيرها من الانواع التي يعرفها أرباب الصنعة.
كما قلت أن فوز هذا الفيلم بجائزة عربية لا يعد أمرا مستغربا على الافلام العمانية وصناعها فلطالما حصدت هذه الافلام على جوائز محلية وعربية ودولية واستطاعت بقوة الصورة أن تصل الى المشاهد وتأسره بجمال الطبيعة والتضاريس والبيئة وبصورة الانسان العماني وتأقلمه وتآلفه مع محيطه الساكن فيه، بل واستطاعت الافلام العمانية الوثائقية من تكوين صورة جميلة عن سلطنة عمان وبيئاتها المختلفة وعدت من الوسائل الناعمة التي استطاعت بها سلطنة عمان الوصول الى قلوب الكثير من الجمهور ممن شغفه الانسان العماني وبيئته في الداخل والخارج.
هي دعوة اذا للاهتمام بالافلام الوثائقية العمانية وايلاء جهد أكبر في الاهتمام بالشباب العماني ممن يمتهنون هذه الصناعة بتدريبه وتأهيله وصقل مهاراته في الانتاج الوثائقي ورفد تلفزيون سلطنة عمان ببعض الافكار والموارد المالية المناسبة لهذه الانتاجات التي يعرف عنها بأنها تستغرق فترات طويلة لتوليد الافكار وكتابة السيناريو والتصوير والمونتاج قد تصل الى عام كامل كما هو الحال في هذا الفيلم الذي قال عنه منتجوه بأنه استغرق سنة كاملة لانتاج عشرين دقيقة فقط لفيلم وثائقي ليبقى خالدا في ذاكرة الصورة العمانية.