تقرأ عن القيمة السوقية لبرنامج محادثة صغير يحتل مساحة صغيرة من ذاكرة هاتفك لكنه يحتلك أنت بكامل قواك العقلية فتجدها تفوق ميزانية دولة كبرى يربو تعداد شعبها على المليون نسمة ومواردها تتعدد بين الذهب الأسود والأبيض والأحمر وقس عليها كل الألوان الطبيعية والصناعية فتنبهر بالأرقام الخرافية والفلكية التي يقوم عليها هذا البرنامج الذي لا يوفر سوى دردشة وكلام فارغ بلغتنا العربية الدارجة ومساحة معقولة من الترفيه والتسلية وقليلا من التجارة والاستثمار وتسلم أخيرا في نهاية حملقتك في الأرقام بأن هذا النوع من الاستثمار هو أفضل أنواع الاستثمارات التي مرت على البشرية على الإطلاق وغيرها من الاستثمارات ما هي إلا ملاليم بسيطة.
برامج الدردشة واللعب والكلام الفاضي هي برامج الاستثمار اليوم وهي السائدة والرائجة والرابحة في عالم اليوم فمن أراد التجارة الرابحة فعليه بها ومن أراد الضفر بالدنيا وملايينها فعليه بها، فكرة صغيرة بسيطة لا تكلف صاحبها سوى بضعة ريالات أو بلغة البزنس بضعة دولارات خضراء ومكان صغير قد لا يزيد عن غرفة صغيرة في قبو مهجور تبدأ فيه مشروعك المليوني بنقرة زر صغيرة وبمجموعة أصغر من زملائك ينشرون فكرتك ويتلقفونها فيما بينهم حتى تصل الى أكبر قدر من العامة الذين لا شغل ولا عمل لهم سوى انتظارك أنت ومن على شاكلتك من المخترعين ولتبدأ بعد ذلك مهمة أخرى هي جمع المال من هنا وهناك أو بيع الفكرة والتطبيق لشركة أكبر قليلا من حجمك.
قرأت في إحدى البرامج التي أعنيها هنا عن مقارنة بين القيمة السوقية لبرنامج من برامج التحادث والتواصل وبين شركة طيران تفاخر بها بلادها بين الأمم بأنها الناقل الرسمي لملايين من مواطنيها لكل دول العالم وتمتلك أساطيل من الطائرات وتقوم من خلفها صناعات كبرى، فوجدت أن الفارق بين البرنامج والطائرة كالفرق بين السماء والأرض فالأولى تفوق على الأخرى بأربعة أضعاف في الأرقام وهذه الأرقام ليست سوى مليارات خضراء فالبرنامج الصغير لا يقبل حديثا الا بفئة المليارات وما علاها.
اضرب مثالا آخر على هذا النوع من الاستثمار الذي أقول بأن الدول ان أرادت النجاح والتفوق لا بد لها وأن تسلكه، كنت في الصين قبل أيام معدودة ووقفت على ما تحدثه التقنية من عجب في الناس وفي الاقتصاد، برنامج صغير مثل الذي أشرت إليه لكنه في بلد المليار والنصف يفوقه عددا في المستخدمين تقدر قيمته بأكثر من مائتي مليار دولار أخضر واعتذر ان كان الرقم غير محدث فمثل هذه الشركات تتغير قيمها كل ساعة ان لم يكن في كل دقيقة، عدد مستخدميه يربو على الثمانمائة مليون مستخدم ولن أرهقكم بالارقام الكثيرة ولا بالمعلومات عن هذا البرنامج واخوانه من البرامج الصينية لكن ما أريد قوله هو أن هذا البرنامج الذي بدأ صغيرا هو اليوم في جيب كل صيني يدردش منه يتسلى فيه ومنه يتاجر منه يضارب منه ويتسوق منه، عجيب هو أمر هذه البرامج وثورتها التي أحدثتها في أنفسنا وفي من حولنا.
من يقف وراء هذه المليارات؟ هنالك من يقول ان دولا عظمى تقف وراءها فهي تستغلها في وسائل المراقبة والتنسط والاستماع ومعرفة آراء واتجاهات الجماهير وتوجهاتها وغيرها من الامور المسيسة التي تخدم وتهدم السياسة والاقتصاد، وهنالك من يقول بأن هذه المليارات يقف ورائها شركات عظمى صارت اليوم هي المتحكم في العالم وهي أقوى بالطبع من الحكومات التي تحاول جاهدة مجاراة هذه الشركات في ما تحاول اسعاد وترفيه مستخدميها به، وهنالك رأي آخر يقول أن هذه المليارات لا تعود الا على مالكها الذي هو المهيمن والمسيطر على حياة كل فرد منا ويمتلك من المعلومات والبيانات والارقام ما لا تعرفه الزوجة عن زوجها والاب عن ابنه والاخ عن اخته وهذه الفئة من أصحاب المليارات وان صغرت فهم يتحكمون في مصائر الشعوب ومصائر الحكومات لا فرق لديها بين قوى وضعيف الا بالدفع، وما يهم في هذا الموضوع برمته هو أننا بتنا عرايا بلا غطاء أمام هذه الشركات يمكنها أن تسبينا وتبيعنا في سوق النخاسة لمن يدفع فينا ثمنا أعلى.
لم يعد لنفطنا قيمة ولا لصناعتنا أو اقتصادنا لذلك علينا أن نفكر جدية في ابتكار برنامج دردشة صغير نبدأ فيه بميحطنا الضيق عسى ان يكتب له التوسع مستقبلا ليغنينا عن نفطنا وسمكنا وأرضنا ويوفر لشبابنا الصاعد فرص عمل تغنيهم عن الوقوف على باب المؤسسات الخاصة أشهرا بلا رد أو جواب.
دردشة وكلام فارغ
Read Time:3 Minute, 11 Second