من تحت شجرة اللبان انطلقت رحلتي لأطوف العالم في يومين فقط سيرا على الأقدام. تتبعت في رحلتي قوافل الإبل المحملة بالذهب الأبيض إلى أن ألقت بضاعتها في مدينة البليد الأثرية لتحملها عبر البحر سفن البوم والغنجة وتبحر عبر الأزرق الشاسع في رحلة تسيرها الرياح الموسمية حتى تصل إلى الضفة الأخرى من العالم لتضمخ روائحها الكنائس والمعابد والأديرة والقصور بعبق روائح اللبان العماني.
من جناح سلطنة عمان في معرض اكسبو كانت بداية رحلة طفت خلالها دول العالم وتعرفت على عادات وثقافات وتراث ومعتقدات وأساطير الشعوب والقبائل حول العالم منها التي سكنت قمم الجبال وقيعان الأودية وضفاف الأنهار ووسط الرمال وتحت الثلوج وبين الجزر ومنها التي استطاعت تحقيق ثورات في العلوم والمعرفة والابتكار والخيال العلمي فجاءت كلها إلى هذا المعرض العالمي لتبهر العالم بما تمتلكه من إرث خالد وكنوز دفينة.
على بعد خطوات من لبان ظفار وصلت إلى إيران فاستقبلني سجادها العجمي المزخرف بالألوان والمزين بالنقوش الإسلامية بلوحات حضارية بصرية استطاعت عبر الحقب والأزمان من نسج علاقات ود واحترام بين دول العالم المختلفة منذ الإمبراطورية الفارسية حتى اليوم، ومما يلفت النظر في هذا الجناح الجداول المائية المستوحاة من العمارة الإيرانية القديمة والتي تستخدم في تبريد البيوت في الأماكن الحارة. عبرت مخالفا الجغرافيا الطبيعية لأصل إلى فنلندا وجناحها المصمم على هيئة خيمة عربية متخذة من مفهوم “السعادة المستقبلية” رمزا وشعارا ومفهوما تحاول إيصاله إلى دول العالم من خلال اتباعها لنهج التعايش بين الناس والطبيعية والتقنية في بيئة واحدة، ومما شدني في هذه الدولة الاسكندنافية اهتمامها بالبيئة الخضراء والاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري ولم أغادر هذه الدولة إلا وأنا على متن أسرع مصعد في العالم من صنع شركة “كوني”. وصلت بسرعة بفضل هذا المصعد إلى باكستان بلد الكنوز الدفينة وموطن إحدى أقدم الحضارات والمليئة بالمفاجآت في طبيعتها وعاداتها وتقاليدها وتسامح أديانها ومذاهبها. جذبني في باكستان جمال الطبيعة المتنوع بين جبالها الشاهقة المكسوة بالثلوج وصحراءها الممتدة المترامية وأوديتها الخضراء المنبسطة وثراء عاداتها وتقاليدها في كل أقاليمها المختلفة.
وجدت نفسي فجأة في جزر سليمان إحدى دول المحيط الهادي وتتكون من ما يقارب الألف جزيرة، شدني إليها أساطيرها وعادات شعوبها وجمال شواطئها وبساطة شعبها المعتمد على صيد الأسماك والمهن المرتبطة بالبحر. يمتاز سكان هذه الجزر ببشرة سمراء ويعرفون بأنهم من الميلانيزين ممن لديهم اعتزاز عميق بثقافتهم القديمة وتراثهم وعاداتهم في الصيد والقتال وفي المناسبات الاجتماعية. طرت إلى غينيا بيساو في غرب أفريقيا ولعل تشابه الأسماء بينها وبين غينيا الاستوائية وغيينا بيباو جعلني في حيرة من أمري، غير أن غينيا التي وطئتها قدماي كانت تحمل لقب بلد الألف نهر وهي غنية بثرواتها البرية وبالحياة الفطرية التي تجعل منها مقصدا لرحلات السفاري ومهدا للموسيقى الأفريقية القديمة.
أرخى الليل سدوله وانقضى اليوم الأول من جولتي حول العالم، فقررت الخلود إلى النوم والاستعداد ليوم آخر جديد أطوف به ما أمكنني من دول العالم التي لم اسمع بعضا عن بعض منها في حياتي ولا حتى على الخارطة. بداية اليوم الثاني كانت من أصغر الدول في العالم موناكو أو إمارة موناكو وكنت قد زرت هذه الإمارة الصغيرة الواقعة على شواطئ البحر المتوسط ومنطقة الريفيرا الفرنسية وتبلغ مساحتها أقل من كيلومترين فقط لكن شهرتها تفوق الآفاق حيث هي المكان المفضل للاستمتاع والاستجمام لكثير من مشاهير العالم ومكان الأثرياء المفضل. تحدثت عبر الاتصال المرئي إلى أحد السكان في موناكو ليعرفني على معالم الإمارة الصغيرة ومينائها وما تقوم به من جهود في سبيل الاستدامة البيئية ومساهمة أميرها في مساعدة بعض الدول الفقيرة ونقل المعرفة والتكنولوجيا.
شدتني مومياء مصرية قديمة ورأس أبو الهول لزيارة مصر، ورغم زعمي بمعرفة مصر وحضارتها وتاريخها وجمال ارضها وإنسانها إلا أنني اكتشفت أثرا جميلا هذه المرة يتمثل في مجموعة التحف الأصلية والتي جلبت للمشاركة في المعرض منها تابوت فرعوني للكاهن بسماتيك تم إحضاره من المتحف المصري وبعض المقتنيات التي تحاكي المومياوات الفرعونية القديمة.
طفت في يومي الثاني بدول بالمملكة العربية والسعودية وأكلت من رطب نخليها الباسق وشربت من ماء عيونها البارد وطفت بكعبتها في الحرم الشريف وسافرت في رحلة تراثية إلى مدينة العلا ورحلة سياحية إلى ابها ورحلات إلى أربعة عشر موقعا تراثيا سعوديا جسدن في المعرض. عبرت جسر الملك فهد لأصل إلى مملكة البحرين وحضارة دلمون والسفن التي حملت مشعل الحضارة والتجارة واللؤلؤ إلى العالم أجمع.
على جانبي الطريق أعلام دول العالم ترفرف مع الريح تدعوني لزيارتها والتعرف على ماضيها ومستقبلها لا سيما دول أوربا التي تتسابق فيما بينها لإبهار العالم بما تقدمه من اختراعات وابتكارات تمهد لمستقبل جديد، زرت إسبانيا ووقفت على شواهد الأندلس العربية ودلفت الى إيطاليا فوقفت على رأس ديفيد الذي أبدعه فنان النهضة الأوربية مايكل انجلو. استمعت إلى معزوفات سمفونية رائعة في النمسا، وتزحلقت في لكسمبورج وشربت الشاي الأخضر في اندونيسيا ورقصت في استراليا وصاحبت الروبوت في شوارع إكسبو وختمت جواز سفري في ألمانيا حيث الماكينة الألمانية تبهر العالم دائما باختراعاتها وابتكاراتها التي تسبق بها العالم مئات السنين.