في العام 1996 نشر بيل غيتس مقالا عنونه بنفس عنوان هذا المقال ” المحتوى هو الملك” تحدث فيه آنذاك عن أن أفضل طريقة لجني الاموال عبر الانترنيت ستكون بتقديم محتوى وأن المجتمعات كلها ستشهد منافسة شديدة في صناعة المحتوى وقد تنجح بعض التجارب في ذلك وتفشل الاخرى.
في مقاله الذي تنبأ فيه بأفول الاعلام التقليدي منذ ذلك الوقت قال غيتس أن المطبوع من وسائل الاعلام ويعني بها هنا الصحف والمجلات لها قرائها الورقيين ولكي تنجح هذه التجارب الورقية على الانترنيت يجب عليها أن لا تأخذ ذات المحتوى الورقي وتقوم بتحويله الكترونيا اذ لا يوجد عمق او تفاعل كاف في المحتوى المطبوع يصلح أن يكون مناسبا للنشر الكترونيا.
نبؤة بيل غيتس لم تؤخذ بجدية للاسف من قبل صناع الاعلام التقليدي الصحف والمجلات أولا ومن ثم تتلوهم الاذاعة والتلفزيون ثانيا وثالثا فمع كثرة المواقع الالكترونية الاخبارية وحسابات وسائل التواصل المختلفة الا أن أغلبها عبارة عن صورة طبق الاصل من الخبر الصحفي المنشور في الجريدة او المقابلة الاذاعية المبثوثة في الاذاعة او الفيلم او التقرير الاخباري المبثوث على جهاز التلفزيون، من هنا أطلت فكرة أن الاعلام التقليدي ليس لديه جديد ليقدمه في العالم الالكتروني او العوالم الافتراضية الاخرى فكل ما يتم تقديمه لا يعدو كونه نسخة مصغرة من النسخة الاكبر منها في الوسائل التقليدية.
“لا يوجد محتوى في وسائل الاعلام التقليدية” كثيرا ما نسمع مثل هذا الحديث على ألسن السنة الناس وتحديدا في الصحافة المطبوعة التي افتقرت الى كثير من العناصر الاخبارية المميزة لها عن غيرها من الفنون الصحفية مثل التحقيقات الاخبارية والاستطلاعات ومقالات الرأي والاعمدة والانفرادات الصحفية ومتابعة القضايا اليومية التي تلامس الانسان البسيط في يومه والحجة في ذلك أن وسائل التواصل والمواقع الاخبارية سرقت الاضواء من المطبوع والوسائل التقليلدية الاخرى وان تلك الوسائل لم تستطع مجاراة ما يحدث في الواقع الافتراضي كون أن خطواتها في التقنية اولا وفي اللحاق بركب تحديث المحتوى الاعلامي ثانيا لم تكن بذات القدر الجرىء لمواكبة الخطوات التقدمية في مجال الاعلام الالكتروني الحديث.
هنالك عوامل أخرى بالطبع أثرت على مسار الاعلام التقليدي وساهمت في انتكاسته ان صحت العبارة منها العامل المادي والاقتصادي من حيث انسحاب القراء المخلصين وعزوف المستمعين الاوفياء وهجرة المشاهدين الى الفضاءات العلوية، كل هذا خلف وراءه ندبا ونزفا في الجسد الاعلامي بخسارته للمورد الاعلاني المعين الذي كان يقيت تلك الوسائل ويحرك مكائنها العاملة ليل نهار، بالاضافة الى عوامل هجرة المجيدين والمبدعين والمتميزين من المحررين والفنيين وغيرهم من المهن المساندة الى مهن أخرى توفر أمانا وظيفيا أكثر دفئا من الامان الاعلامي المهدد بالزوال في أي وقت وثالث العوامل هو نقص الدعم المقدم لكثير من الوسائل الاعلامية لا سيما الدعم المالي واللوجستي الذي كان يغذي بعضا من الجسد الاعلامي الصامد أمام الحداثة الجديدة.
مرة أخرى، المحتوى هو الملك ومن يملك المحتوى يمتلك السيادة ولا أدل من أن الجمهور سرعان ما ينسحب وينتقل من وسيلة الى أخرى بمجرد ما يجد ضالته في الوسيلة الاخرى ولن يبقى الجمهور وفيا لاية وسيلة او قناة او شخصية طالما لم تقم تلك الوسيلة بالارتقاء بنفسها وتطوير ذاتها وتحديث محتواها ليواكب الحداثة ومقولة أن الجمهور هو رأسمال الوسيلة الاعلامية بات جليا والمحافظة على رأس المال ذاك بات من ضرورات الحياة الجديدة.
ليس من السهل تقبل التغيير خصوصا لبعض الكلاسيكيين ممن يتمسكون بالتقاليد والاعراف لكن هذه هي سنة الحياة فاعتناق المبادىء الجديدة قد تكون هذه الضمان الاوحد للبقاء كما هو الحال بالنسبة للمحتوى الذي يبقى هو الضمان الاوحد للبقاء.