كان لهذا العنوان أن يكون ذا وقع كبير لولا فيروس صغير الحجم لا يرى بالعين المجردة أوقف صخب الحياة وأرجعها على الأقل عشر سنوات للوراء، كان لهذا العنوان أن يشد انتباه القارئ لو أن الحياة استمرت على وتيرتها في التناحر والتحارب والتخابر بين الأفراد والمجتمعات؛ لو أن الحياة سارت على ذات الوتيرة من التسابق في الابتكار والاختراع والتقنية على الأرض وفي الفضاء؛ كان يمكن أن يكون كل شيء طبيعيًا لو لم يخرج هذا الفيروس من قمقمه فيبدأ في نشر الخوف والذعر في كل مكان ويلزم الناس بيوتهم ومساكنهم.
كانت الحياة تلهث والناس من ورائها تركض منذ انشقاق الفجر حتى منتصف الليل أو تزيد قليلا، فلا الراكض يهدأ ولا المركوض وراءه يلحق؛ لهاث يصل إلى حد انقطاع الأنفاس من قسوته وشدته وطول مداه ، لا ينقطع ولا تبدو بارقة أمل لانتهائه أو انقضائه.
لهاث كانت تُسمع جعجعته ولا يُرى طحنه ؛ حتى جاءت اللحظة التي صمتت فيها أنفاس اللاهث وتوقف كل الراكضين عن ركضهم وكأن الزمن أوقف ساعته على الدقيقة صفر من عمر البشرية حتى اشتكى الكل من أن الزمن يمشي بطيئًا مملًا بسرعة لم يعهدها كل البشر على هذا الكوكب الأزرق.
كانت الحياة قبل العام 2020 تسير نحو الهاوية يتحكم فيها مجموعة صغيرة من السماسرة ممن أوكلوا أنفسهم رعاة لهذا الكون وحراسا له ؛ سماسرة الحرب والسلم ؛ سماسرة البيع والشراء؛ سماسرة الدين والتدين؛ سماسرة الأخلاق والقيم؛ سماسرة الاقتصاد والتقنية؛ سماسرة في كل مجال أوكلوا أنفسهم حراسا للكون فصاروا يحكمون باسم البشرية يقبلون هذا وينفون ذاك ؛ يغفرون لمخطئ ويؤنبون تائبا؛ يرفعون وضيعًا ويخفضون عزيزا؛ يعلون شأن رذيلة ويخفضون فضيلة ؛ يقاتلون بريئا ويهادنون عدوا؛ يدنون غنيا ويقصون فقيرًا، حياة أقل ما توصف به بأنها حياة غاب يأكل فيها القوي الضعيف.
حتى بدأت كفتا ميزان الحياة في التعادل بعض الشيء – بفضل فيروس حقير- فلم يعد هنالك غني أو فقير بمنأى عن وسوسات هذا الفيروس؛ ولم يعد هنالك أبيض أو أسمر بمعزل عن الإصابة بهذا الداء ولم يعد أي شيء وكل شيء منزها عن حمل هذا الفيروس ونقله لمن يحب؛ حتى تساوى الناس ولأول مرة في الخوف والرعب من مجهول لا يعرف كنهه.
كانت الحياة بحاجة إلى صمت وسكون وعودة إلى الذات ومراجعة النفس ومواجهة عدو داخلي وخلوة إجبارية بين نفس وصاحبها لا يدخل بينهما ثالث؛ كانت الحياة بحاجة إلى مناجاة لخالق النفس ومدبر الكون ومسير الأرض؛ كانت الحياة بحاجة إلى صمت زكريا وتبتل مريم وتنسك عيسى ووحدة محمد. كانت بحاجة إلى دعوة أيوب «أني مسني الضر» ورجاء يونس «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» واستغفار موسى «رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي» وكانت بحاجة إلى ركض أيوب لإيجاد العلاج «اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب»
ستؤوب الحياة إلى طبيعتها وسيرجع كل شيء كما كان وسيستمر البشر في تكرار ما كانوا يقومون به وستبقى الذكرى وحدها ما يؤرخ أن عاما كان مليئا بالأسقام والأوجاع أسكن الناس بيوتهم لبرهة عادوا بعدها للهاثهم وسيبقى أنني حاولت إيجاد ذاتي من خلال هذا الداء فلم أستطع.