نفات مطر تجاهد في تأخير بدايات صيف لاهب، وحديث يعلو ويخفت بين الحاضرين هل نستمر أم علينا أن نقفل عائدين؟ زخات المطر تخفت فيتسمر الجميع في أماكنهم انتظار لصوت ” الله أكبر”. عادة رمضانية جميلة لازمتنا طوال الخمسة عشر عاما تؤرخ لبدايات السكنى في حارة لم تكن كما قال أحدهم سوى “فلاة يعوي فيها الكلاب” حتى طالتها يد التعمير والبناء والتشييد فأصبحت واحة خضراء تنبض بالحياة وتدب في أوصالها أواصر المحبة والمودة والقربى.
رمضان هذا العام ساخن وبارد في ذات الوقت، علمت أنه يهمز ويلمز الى شأن آخر فهذا دأبه في التعبير عن آرائه خصوصا السياسية منها فهو الجار المغرم بالسياسة ودهاليزها وابوابها يعرف ما انغلق منها وما قد ينفتح. ناكشته للافصاح عن الحرارة والبرودة في رمضان فقال أن السودان حار جدا وملتهب تتعارك يمناه مع يسراه وبدلا من التصفيق بيدين قد يصل به الامر الى بتر احداهما وثمن هذا البتر سيكون دم الشعب السوداني الذي لا ناقة له ولا جمل في صراع الجنرالين، اما البارد فالاخبار المتواترة من الجارة السعيدة اليمن التي تحقق الوساطات العمانية والدولية فيها تقدما يثلج الصدر وقد افضى بعض وساطات الخير الرمضانية الى تبادل للاسرى والاتفاق على بعض التفاصيل التي نتمنى أن تفضى الى سلام شامل يعم اليمن والمنطقة بأسرها.
التجمع الرمضاني او ما يسميه البعض بالافطار الجماعي عادة اسلامية تؤصل لكثير من القيم والسلوكيات الحميدة وتغرس نباتا طيبا في البيئة التي تنبت فيها، وهذه العادة انتقلت مؤخرا الى بعض دول أوربا التي يعيش فيها المسلمين حيث بدأت بعض الاندية الاوربية في اقامة افطارات جماعية مثل نادي تشيلسي اللندني وتوتنهام واستون فيلا وقد تكون هذه المحاكاة في الافطار هي من باب الدعاية لتلك الاندية تستهدف مشجعيها من المسلمين لكنها تبقى شاهدا على الأثر الذي يتركه الدين الاسلامي على الآخرين. أحد الجيران علق على هذا الأمر قائلا أن أداء تشيلسي هذا العام ضعيف فمنذ استغناءه عن مدربه توخيل وهو في تخبط مستمر، لكن ان كان المسلمون في ارسنال او المان سيتي سيقيمون افطارا جماعيا فسأكون مسروا بحضوره.
التجمعات الرمضانية ليست للافطار فقط فهي بمثابة استراحة من عناء الحياة يلتقي فيها الجيران والمعارف بعضهم ببعض يتشاركون الافكار والموضوعات التي ليس لها علاقة بالاسرة او العمل وينخرط فيها الصغار والكبار في أحاديث جانبية كل حسب اهتمامه، منهم من يبحث عن تفاصيل لمرسوم زواج العمانيين من أجانب ويمني نفسه بكثير من الاحلام التي يصعب رؤيتها من الداخل لذا قد يكون الخارج ملاذا لتحقيق تلك الاحلام، والبعض يتحدث عن الباحثين عن عمل ولهاثهم في تعقب سرابات الوظيفة وغيرهم ممن يتحدث عن الزكاة وفرضها والمستحقين لها وغيرهم يرسم مسارات للمشي والرياضة ومنهم من يعارض فكرة الاكل من المطاعم التي لم تعد مأمونة صحيا وآخرون تجمعوا على صحن من حلويات رمضانية دسمة يقول أحدهم في نهاية الجلسة “لا تكثروا منها فهي ترفع نسبة السكر، لكن مع كثير من القهوة قد تتقلص هذه النسبة. استمروا”.
لدينا في حارتنا المحلل السياسي وطبيب الاعشاب صاحب الوصفات السحرية في اعداد الشاي والشيف الذي يهوى الطبخ والمحلل الرياضي واستاذ اللغة العربية والمؤذن وإمام المسجد والاعلامي والمحامي والمتقاعد وطيف واسع من الشخوص، تشعر وانت تجلس بينهم أنك في وسط محفل علمي وعملي يضج بالعلم والمعرفة يأتلفون على حب الخير والعطاء وينشدون التعاون فيما بينهم ولا يجدون ضيرا في تعمير طريق او اعمار مسجد او زيارة جار عليل او التصدق على جار معوز هم كما قال رسولنا الكريم ” كالجسد الواحد”.