لا غرابة في هذا الأمر فخضروات المائدة فضلا عن الفاكهة ومنذ زمن ليس باليسير هي مستوردة من الخارج، والاسباب وراء ذلك عديدة ومختلفة ومعقدة إن حُل أمر منها تشابكت أخرى، وهكذا حتى وصلنا الى أن الحل الأنجع لكل هذه الدوامة أن نكثر من استيراد ما نأكله.
لست بصدد السؤال ولا الجواب عن انحسار الزراعة المحلية ولا بصدد السؤال أيضا ولا الجواب عن استسهال الإستيراد للخضر والفواكه، لان هنالك من سبقتني الى تلك المحاولة وعجز عن ايجاد جواب لهذه المعادلة، غير أن فضولي الصحفي أبى علي إلا أن أدس أنفي في هذا الموضوع والبحث والاستقصاء عنه، فقصدت متجراً صغيراً لبيع الخضروات والفواكه يديره شاب عماني في مقتبل عمره، فسألته عن سعر الطماطم الحمراء ومصدرها فقال بأن منها ما هو عربي ومنها ما هو أعجمي فأما العربي فيأتينا من جارتنا البعيدة الأردن التي تصغرنا مساحة بثلاث مرات، وأما الاجنبي فهو من الصديقة الهند التي نستورد منها الخضر والفواكه والبشر. سألته عن خضروات المائدة اليومية كالجزر والخيار والخس والباذنجان وغيرها فعدد لي كثير من الدول حتى وصل الى الصين، فسألته أين العماني منها فأجاب بأنه الوحيد العماني في ذلك المحل مع بعض الخضروات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك.
تركت المحل الصغير وذهبت لسؤال الوزارة الكبيرة عن السبب فوجدت في موقعها جوابا لا أخفيكم سراً إن قلت بأنه صادم بالنسبة لي على الاقل، حيث قرأت بأن نسبة الاراضي الصالحة للزراعة في السلطنة لا تتجاوز السبعة في المئة في حين أن ما تبقى من هذه النسبة (ثلاثة وتسعون في المئة) فهي أرض بور لا ينبت فيها نبات ولا تصلح حتى لزراعة رأس بصل، والسبب كما عزته الوزارة يرجع الى تملح الارض والإسراف في استخدام الاسمدة والمبيدات الكيماوية وبعض العوامل الاخرى مثل نقص المياه ونوعية التربة نفسها وأزيد عليها كثرة العمالة غير الماهرة العاملة في الزراعة.
الارقام المعلنة والمنشورة عن مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الاجمالي تشير الى اقترابها من مبلغ الاربعمائة مليون ريال وهي نسبة قد لا تزيد عن الواحد أو الاثنين في المئة من العوائد التي يشكل النفط والغاز أكثر من ثمانين في المئة من إيرادها، وذات الارقام تشير إلى أن السلطنة قد حققت اكتفاء ذاتيا في بعض المحاصيل الزراعية بلغت نسبتها ما يقرب من السبعين في المئة للخضروات وثلاثين في المئة للفواكه في حين بلغت النسبة مئة بالمئة للتمور.
الارقام تشير الى أن الاكتفاء الذاتي للخضروات يصل الى السبعين في المئة لكن على أرض الواقع لا ترى من السبعين حتى سبعة فأين تذهب النسب الباقية؟ سؤال طرحته على أحد الخبراء العارفين والعالمين بشؤون وشجون الزراعة في عمان فقال بأن كثير من المزارعين لا سيما في سهل الباطنة الساحلي لا يبيعون منتجاتهم في الداخل بل تذهب مباشرة للخارج لان الامر أيسر بالنسبة لهم في البيع مع عدم وجود شركات أو هيئات لتسويق المنتجات الزراعية في داخل السلطنة وهذا ما قد يفسر لماذا نأكل طماطا مستورد ويأكل غيرنا طماطنا.
سؤال آخر اضفته الى سلة الاسئلة السابقة عن امكانية تحقيق أمن غذائي في الوقت الراهن وفي المستقبل كما نرسمه وترسمه الحكومة في رؤاها المستقبلية بمساحة السبعة في المئة الصالحة للزراعة والتي أعتقد بحساباتي البسيطة بأنها سوف تصغر عاما بعد عام؟ قد لا أمتلك اجابات عن هذه الاسئلة الحائرة ولكنني استقرىء المستقبل من أن المبادىء والافكار الحديثة في الزراعة والتسويق قد تصلح لخلق أمن غذائي للاجيال المستقبلية فالخطوات التي تتخذها السلطنة حاليا كانشاء شركات وكيانات للاستثمار الغذائي في الزراعة والالبان والاسماك وغيرها قد تسهم و تساعد في تحسين واستمرارية وديمومة هذه المشاريع، ولكن قبل هذا وذاك فالحاجة ملحة الى الاهتمام بالمزارع المحلي وتوفير وتذليل الطرق له للعمل في مزرعته بدلا من تركها للوافد الذي يـأخذ خير الارض ويخلف الشر وتوطين الاستثمار في الزراعة وجعله من أفضل أنواع الاستثمارات وتشجيع الشباب على ذلك لان المستقبل والامن هو في الزراعة.
طماطنا هندي وجزرنا صيني
Read Time:2 Minute, 54 Second