الأسبوع الفائت التقيت زميل مهنة تقاعد منها بعد أن أمضى فيها أكثر من عشرين عامًا؛ كان طوال فترة عمله لا يمر عليه يوم أو يومان إلا واسمه متصدر صفحات صحيفته التي كان شاهدًا على ميلادها وتطورها؛ سألته: متى سنرى كتابك الذي وعدت به في آخر يوم رأيناك فيه وكنت متحمسًا كثيرًا لإصداره وإصدار عشرة غيره؟ لم يجد جوابا، لكنه أسر لي بأن الحياة أخذته إلى بحر آخر غير بحر الكتابة، وأن هواء الكسل حمله بعيدا عن هواء الكتابة.
كلنا مثل هذا الزميل فهو ليس وحده ممن أخذته بحور الكسل، والتبلد، فما نقوم به من نشر وقراءة وكتابة، وتدوين إنما نرجع مرده إلى الوظيفة التي نقوم بها التي فرضت علينا القيام بذلك فبدونها ربما لن ننشر، وبدونها لن نقرأ، وبدونها لن نكتب، وبدونها لن يصبح هنالك قراء لنا ولغيرنا؛ وقد يكون ما هو لزام، وجبر علينا فعله هو ما يدفعنا دفعا إلى هذا الإنجاز اليومي، وليست الهمة العالية أو السعي نحو تحقيق النجاح، والشهرة، والمجد هي ما يدفعنا إلى ذلك.
البشر عمومًا لا يحبون الالتزام بشيء ما لم يجبروا عليه؛ فالنفس البشرية مركبة ومجبولة على عدم الالتزام بنمط حياة معين تداوم عليه لفترات طويلة ما لم يجبرها أحد على ذلك، ومن هنا جاءت قوة القوانين وصرامتها في كونها تمثل السلطة الجابرة للنفس البشرية على الانقياد، والطاعة لسلوك معين؛ وذات الأمر ينطبق على الممارسات التعبدية التي أمرنا الخالق بها، ووعدنا إن التزمنا وواظبنا عليها بالفوز والأجر الكبير، وأن خالفناها فسيكون مصيرنا الخسران والعذاب الأليم.
الأمر يبدو أنه بحاجة إلى إعمال كثير من الجهد والصبر والجلد، وتحمل المتاعب، والمشاق في سبيل الحصول على الغاية التي ينشدها كل من يسعى لها، ولن تنال المطالب كما قال أمير الشعراء بالتمني فالنفس والدنيا بحاجة إلى إرغامها على القيام ببعض العادات والمسؤوليات والانتظام في عمل ما لمدة طويلة من الوقت كي يجني المرء ثمار جده واجتهاده.
خبراء التنمية البشرية يقولون إن مدة عشرين يومًا فقط كفيلة بتبني سلوك جديد، وترك سلوك قديم، وهذه الفترة كفيلة بأن يتحول هذا السلوك إلى عادة، وحجتهم في هذا أن دماغ الإنسان سيتجاوب تلقائيًا خلال تلك الفترة مع السلوك الجديد، ويبني جسورًا لإرسال الأوامر العصبية من الدماغ إلى باقي أعضاء الجسم التي تترجم كل تلك الحركات إلى سلوك جديد أو عادة جديدة، ويضربون على ذلك أمثلة منها أن أراد الإنسان اكتساب سلوك القراءة أو الكتابة فعليه بهذه الممارسة لمدة عشرين يومًا، وأيضا ينصح هؤلاء الخبراء من أراد خسارة بعض من وزنه فعليه الالتزام بمجموعة من التمارين والتغذية السليمة لفترة العشرين يومًا، وينسحب هذا على كل ما يود الإنسان فعله من عمل إن توفرت لديه الإرادة الحقيقية لفعله.
قد لا يكون من السهولة بمكان تصديق ما يقوله خبراء التنمية البشرية، ومن على شاكلتهم من الخبراء أن تعلق الأمر بتغيير سلوك أو عادة ما، ولكن الأمر يستحق التجربة إن كانت الثمار ستؤتي أكلها، وإن كانت النفس ستصبر على إرغامها على فعل ذلك السلوك أو العادة الجديدة، وفوق هذا كله، وذاك أن الأمر مرتبط بإرادة الشخص الحقيقية التي تنشد وتطلب التغيير والتعديل إن أرادت تغيير سلوكها أو الرجوع إلى ذات السلوك السابق إن هي فشلت في إحداثه، وهذا ما يحدث كثيرًا للنفوس الضعيفة التي لا تقوى على المجاهدة، والصبر، وتحمل مشاق ما تبغى الوصول إليه من أهداف، وصدق الله تعالى في كتابه حين وصف أحداث التغيير في سورة الرعد بأنه لن يحدث تغيير ما لم تكن هنالك إرادة حقيقية له سواء من الفرد أو الأمة حيث قال تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ولست هنا مفسرا لمعنى الآية الكريمة، ولكنني مستشهدًا بأن تغيير السلوك والعادات مرتبط بالإنسان وعقله وذهنه وإرادته فكل شيء يمكن أن يتغير إن توافرت الإرادة الحقيقية له، وهو ما أتمنى أن أراه لدى زميلنا الصحفي المجتهد.
تغيير السلوك
Read Time:2 Minute, 57 Second