” كيف تصبح مصمم جرافيك محترف في يومين” هذه فحوى اعلان منشور على الانترنيت يدعو الناس الى الانضمام الى دورة تدريبية افتراضية على الانترنيت لمدة يومين فقط يصبحون بعدها محترفي تصميم، تساءلت هل يمكن تعلم التصميم الجرافيكي الاحترافي خلال يومين ام انها خدعة مثل الخدع الأخرى التي يحاول فيها البعض استغلال التقنية والسرعة لايهام الناس بأنهم يمكن ان يقوموا بكل شيء خلال ساعات محدودة ابتداء من تعلم الطبخ وانتهاء بتعلم الطب؟.
متلازمة التقنية والوقت ساهمتا في جعل الحياة سريعة خصوصا الحياة الافتراضية على الانترنيت ووسائل التواصل وغيرها من التطبيقات والبرامج التي تعد مستخدمها بالوصول الى الاحترافية بمجر تحميل البرنامج او التطبيق او مشاهدة فيديو قصير لا يتعدى الدقيقة الواحدة يصبح الشخص بعدها محترفا في المهنة او الحرفة او الهواية التي يرغب في ممارستها.
الكثير من العادات والمهارات اختزلت في دقيقة او اقل في عصر التقنية والسرعة بامكانك الاستماع الى ملخص كتاب مكون من ٤٠٠ صفحة في دقيقية واحدة بدلا من اهدار أسبوع كامل او اقل في قراءته كاملا وتعتبر نفسك انك قد أصبحت في خانة القراء المثقفين عند استماعك الى خمس دقائق لخمسة كتب مختصرة، او ان تشاهد مقاطع فيديو قصيرة لمحترف في الطبخ يقوم باعداد وجبات مختلفة تعتقد نفسك بعدها انك قد اتقنت كل الطبخ ويمكن ان تكون طباخا محترفا، ويمكنك في العالم الافتراضي ان تكون متعدد المهارات والحرف بمجرد مشاهدتك ل “ريل” انستغرام قصير او ” حالة” واتساب او ” تغريدة” تويتر او مقطع قصير على تيك توك فيمكن ان تكون مصورا احترافيا ومهندسا ومتسابقا ومتسلق جبال وصحفي وطبيب ومحترف اعداد قهوة احترافية واكثر من ذلك بمجرد ان تتعرض لبعض المقاطع المنشورة على الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي.
لا جدال بأن عالم اليوم قد تطور وتسارعت أيامه ودقائقه وساهمت التقنية في اختزال الكثير من الوقت والجهد في تعلم الكثير من المهارات والحرف والمهن لكن ما ينذر بالخطر هنا ان البشر لم يعد لديهم الوقت للانتظار فهم يريدون كل شيء بسهولة ويسر وعلى عجلة من امرهم. الطالب يريد ان ينتهي من دراسته في اقل عدد من السنين بحجة ان المقررات الدراسية لم تعد تواكب الحياة الحديثة السريعة ومن يريد ان يخسر وزنا او يبني جسما لم يعد يطيق صبرا على التمارين اليومية الشاقة والحجة في ذلك ان ليس لديه وقت للرياضة ويمكن ان يكتفي باجراء عملية سريعة او تناول عقاقير وادوية تساعد على فقدان الوزن، والكاتب لم يعد يطيق صبرا لكتابة موضوع او تقرير يستهلك منه أيامافي البحث والتنقيب عن المعلومة فيلجأ الى مواقع الذكاء الاصطناعي التي تساعده او تكتب عنه مادته.
هذه المخرجات من الحياة الجديدة لن تصنع جيلا قويا يمتلك الصبر والاناة التحمل والقدرة على التفكير والتأمل والتدبر والعمل فكل شيء اصبح بالإمكان اكتسابه في اقل وقت وبأقل مجهود وبات الجيل كله في عجلة من امره لا يتقن عمل الكثير من الأشياء باحترافية عالية.
العرب القدماء قالوا منذ زمن طويل أن “الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك” في إشارة الى أهمية الوقت والسرعة في انجاز الأمور حتى قبل أوانها، لكنني وأجزم بذلك من أن قائل هذا المثل لم يكن يدور بخلده أن زمانا سيأتي على الناس يقطعون فيه الوقت متنقلين ما بين فيديو وريل وحالة وتغريدة معتقدين ان الوقت لا بد أن يستغل وان استغلاله يكون بالتطفل على حياة الناس الآخرين ومشاهدة ما يطبخونه وما يعجنونه.