على مر التاريخ لم تشهد البشرية سلاما دائما ينعم فيه العالم بالرخاء والطمأنينة، فالحرب وآلتها لا تزال هي المهيمنة على المشهد الإنساني في كثير من مفاصل التاريخ القديم والحديث ؛ ويعتقد الكثير من المؤرخين ان فترات الحروب قد تكون هي الأطول على البشرية من فترات السلم استنادا لما شهدته فترات التاريخ الإنساني من احداث وان كانت تلك الأحداث غالبا لا تركز او تدون حالات السلم الطويلة لكنها تؤرخ لحالات الحروب والكوارث.
بالرجوع الى ذات التاريخ فان اول الحروب التي شهدتها البشرية كانت بين ابني ادم عليه السلام حينما لم يكن على الأرض سوى ثلة صغيرة من البشر لا يتعدون أصابع اليدوكما يبدو من السياقات التاريخية فان فترات السلام بين الاخوة المتعايشين على الأرض لم تدم طويلا فنشأت بينهم الصراعات والحروب أدت الى اول جريمة في الإنسانية في سفك الدم البشري عندما قتل الأخ أخيه في حرب لم يكن الرابح فيها سوى الشيطان كما تقول الروايات الدينية التاريخية. ومن تلك اللحظة بدأ مفهوم الحرب يدخل الى القاموس البشري من أن أي خلاف بين البشر لا يمكن حله الا بالصراع وقتل المنتصر للمغلوب والاستيلاء على ما يخلفه المغلوب من أراض وسبي وغنائم.
تطورت الحرب بعد ذلك وتعددت اسبابها وادواتها وطرقها عبر التاريخ، فمن يقرأ في حروب ما قبل التاريخ التي وقعت بين الأمم والممالك والتي وصلت الينا بحكم تواتر الروايات يجدها كثيرة ومختلفة في الأسباب والنتائج والضحايا وبالمرور السريع على تلك الحروب التي وقعت بين الحضارات القديمة مثل حروب توحيد مصر القديمة وحروب الاسر المصرية القديمة الداخلية والخارجية الى حروب الإمبراطوريات القديمة اليونانية والرومانية والفارسية والإسلامية نجد ان فترات السلم بين تلك الامم قد تبدو اقل تماسكا من فترات الحروب والمناوشات والهدن الهشة بين الجيران التي ينزلق كثير منها إلى مهاوي الحروب المعمرة يعاصرها الأجيال المختلفة عبر تاريخ تلك الدول والممالك.
استشهادا وتعزيزا لما قلت سلفا من ان ازمنة الحروب اطول أمدا من ازمنة السلم فانني احاول هنا إسقاط ما عاصرت من حروب وكوارث منذ ميلادي في سبعينيات القرن الماضي وفي منطقة جغرافية صغيرة هي المنطقة العربية ومنطقة الخليج ؛ فالسبعينيات من القرن المنصرم شهدت استمرار الحروب العربية ضد اسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية والحرب الاهلية اللينانية والثورة الإيرانية تلتها الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الاولى والثانية والحرب الاهلية في اليمن وحرب افغانستان مرورا بالثورات العربية والربيع العربي وتقاطع كل تلك الحروب مع بقاء واستمرار الصراع العربي الاسرائيلي وما نتج عن كل تلك الحروب من خسائر جسيمة في الأموال والانفس. وبالرغم من كل تلك الحروب وطول أمدها إلا ان بعض الدول شهدت استقرارا نسبيا وتنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية عادت بالنفع على تلك الدول غير ان من ينظر إلى الصورة الكبرى في الخارطة العربية تحديدا يجد أن دوائر الحرب الحمراء ازدادت اتساعا على حساب دوائر السلم الخضراء المنكمشة او المختفية في مناطق الصراعات.
وان بدت بعض فترات السلم طويلة بين الدول إلا أنها تعد فترات ترقب وترصد بما يمكن تسميته بالحروب الخفية او الحروب السرية او الحروب الناعمة والحروب الالكترونية يمكن أن يثير أوارها حروبا حقيقية تشتعل نيرانها لسنوات طويلة بين فرقاء متخاصمون او جيران متشاكسون او أعداء متربصون.
هنالك من يجادل بأن الحروب هي سنة من سنن الكون ولا بد من تغذية أوارها وسعيرها وبقائها رهن ببقاء البشرية ؛ فالصراع من الفطر التي خلق بها البشر بينهم وبين ذواتهم وبينهم وبين الآخرين وهذا الصراع لا بد ان يستمر حتى تتجدد الحياة ويتجدد البشر وتتجدد الارض فما ان تنتهي الصراعات والحروب فان الحياة على كوكب الارض سوف تنتهي لذلك فان فترات الصراعات أدوم واطول من فترات السلام . قد يثبت صحة بعض ما كتبت لكنه ينافي الفطرة الانسانية السوية التي ترى ان السلم والاستقرار والتعايش هو اجمل وأفضل للإنسانية والبشرية جمعا رغم وجود بعض الغلاة المتطرفين الساعين إلى انتهاك فترات السلم.