وما أكثر من فسدت علاقاتهم بسبب اختلاف في الرأي او تعصب في تبني رأي على آخر او الاستماتة في الدفاع عن رأي وتبنيه باعتباره حقيقة واضحة ورأي لا يحتمل الخطأ في حين أن رأي الآخر خطأ ولا يحتمل الصواب ، نرى كثير من هذه الاختلاف التي أفسدت الود في كل مناحي حياتنا اليومية في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الرياضية فما أن يتختلف فريقان حتى تنشأ الخصومة ويبدأ التنازع بين الطرفين.
كثير من الحروب شنت بسبب اختلاف في الرأي وكثير من البغضاء نشأت بسبب عدم فهم الرأي الاخر وكثير من الحماقات ارتكبت بسبب تعنت في الرأي واصرار عليه وكثير من الدماء ازهقت بسبب أن رأيا شاذا أفسد للود قضية وكثير من الاجيال دفعت أثمانا باهضة بسبب أن “رأي صواب ولا يتحتمل الخطأ ورأيك قد يكون صواب ولكنه خطأ”.
خيط واضح وفاصل في التفريق والتمييز بين ما هو شخصي وما هو موضوعي في الاراء فالموضوعي كما تدل عليه العبارة هو ما يتعلق بالموضوع ذاته كما هو عليه مجردا من دون أن يدخل عليه رأي شخصي او تضاف عليه بعض السمات التي تخرجه من موضوعيته، في حين أن الشخصي هو كل ما يحمل وجهة نظر صاحبه ويعبر عنها من دون أن تقود وجهة النظر هذه أية خلاف او شقاق.
هذا ما يفترض أن يكون عليه الحوار السليم بين المتحاورين وهو ذاته ما نسب الى الامام الشافعي بقوله “رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” فبهذه المقولة رسمت خارطة طريق ناجح للحوار بين الناس ولو طبقت لكانت الحياة أجمل والقلوب أصفى والاختلاف متقبل وكل الآراء وان اختلفت فهي آراء شخصية او علمية لا يجب أن يتم تحميلها أكثر مما تحتمل.
في مهنتنا الصحفية كما في كل المهن كما أجزم هنالك فارق واضح لا لبس فيه بين ما يمكن أن يبقي شخصي وبين ما هو موضوعي فكل لون من الوان الطيف الصحفي له مميزاته وخصائصه التي تختلف عن الآخر ولهذا ميزت الاعمدة والمقالات والآراء الشخصية بأنها تحمل رأي صاحبها لا رأي الوسيلة او المؤسسة التي تنشر تلك الكتابات، في حين أن باقي الفنون الاعلامية والصحفية لا يجب عليها أن تزج بنفسها في دهاليز الآراء الشخصية لكاتبها ومحررها.
كثر الاختلاف بين البشر بسبب اختلافهم في آرائهم ولم يعد كل طرف قابل على تقبل الطرف الآخر او تقبل آرائه ولعلي أرى أن الوسائل الكثيرة للتعبير عن الرأي في هذا العصر هي مما فاقم من كثرة تلك الاختلافات، فعندما كانت قنوات التعبير عن الرأي قليلة كانت النفوس أرحب في تقبل اختلاف الاراء وتنوعها وعندما كثرت منصات التعبير عن الآراء زادت الشخصنة وزاد معها الجفاء والشقاق والخلاف حتى بين أفراد الاسرة الصغيرة.
قد نكون بحاجة الى العودة الى ذواتنا وفهم أنفسنا قبل فهم الآخر وعدم الدخول في جدليات كثيرة مع الآخر لا تقدم ولا تؤخر بل قد تكون تلك الجدليات والاختلافات بمثابة الامراض التي تستشري بين افراد المجتمع وكما سمعت مقولة لطبيب يقول فيها أن أفضل طريقة لعيش حياة طويلة هي بترك الجدل والاختلافات مع الآخر خصوصا إن كان ذا عصبية مفرطة وكما قيل أن من سمات الخلق الجيد ” أن ترك المراء وإن كنت محقا”.